الجمعة، 30 يوليو 2010

ثــرثــرة ليلية ,, المبدع محمد صلاح







يبدو لي الليل رحيما على ما به من قسوة تسكن خلف وجهه الطاحن في السواد .. سفيرا فوق العادة يلملم العشاق بمهارة في دروبه الخالية .. ان الليل مع الأحباب يبقى السلعة الوحيدة التي لا يمكن أن تصادر أو تفرض بشأنها ضرائب للمبيعات .. الليل مع الأحباب هو الطريق الوحيد الذي نمشي فيه و لا نريد أن نصل فيه الى أية نهاية .. المشهد الوحيد الذي نتمنى أن يتألف منه وحده فقط فيلم العمر و مسلسل الأيام و الليالي .. مشهد عال في أدائه راق في مفرداته مبدع في تأثيره على كل الجراح و أنات الالم التي تسرى في أجسادنا كما يسرى السرطان في خلايا جسد .. أحيانا أتعجب من الزحام الذي نعيشه و نتجرع مرارته في المواصلات و في المدارس .. في المساجد و الكنائس .. كوكب الأرض سيكون أجمل لو لم يكن فيه غيرك أنت .. و الليل!

في الليل أسبح معك في ماء من الرضا و النعيم .. بحورا من الفرحة و الهناء التي لم تصلها أرجلنا من قبل .. رحيق من الرحمة لم تصله حواسنا من قبل .. أكواب من النبيذ الحلال الذي سكرنا منه للدرجة التي نسينا معها من انتي و من أنا؟ .. يكفيني من سكر المحبين و عربدة العاشقين الشرعية أني عندما أناديك أقول فقط .. يا أنا .. يكفيني أن أفكر فيك فأجدك بجواري .. أحلم بك لأجدك في التو و اللحظة بجواري على فراش الراحة مدثرين بغطاء الدعوة و التضرع الى السماء أن تكون هذه اللقطة هي الأخيرة في حياتنا!

في الليل أكتب فيك الف ديوان من الشعر .. أستغرب جدا عندما يأتي النهار فلا أجد منهم سوى كلمة واحدة تركتيها و رحلت مع تسلل الضوء الأول للفجر .. كلمة طبعها الأحمر القاتم المسجون على شفاة أقرب الى القوارب الشراعية في نيل أسوان الحبيب .. كلمة بأحرفها الأربعة أفقدتني كل العلوم التي درستها قبل اليوم فلا أعرف هل هي عربية أم أعجمية؟ .. كلمة واحدة أم نصا أدبيا بليغ البناء و الابداع؟ .. حقيقة رياضية تؤكد أن أقرب الجمل الى القلب هي التي تماثل الخط المستقيم في صراحتها و حلاوتها؟ .. أم أنها حقيقة كيميائية مفادها أن الانسان كمادة عندما يدنو من الحبيبة يشتعل بحرارة الأنفاس و يذوب في أباريق المتعة و يتبخر بمجرد النظر الى المحبوب؟ .. هل هؤلاء أربعة من الأحرف العادية التي نقابل الملايين منها كل يوم في الجرائد و في المجلات و في مواقع الانترنت؟ .. أم أن كل حرف من هؤلاء الأحرف الأربعة يداري خلفه ألف ألف حرف اخر سأقضي حياتي كلها في فك رموز و طلاسم كل منها على حدا؟!

في الليل .. تاتي في اخر الليل لحظة مرة .. لحظة تعودين فيها الى غرفتك و أغراضك و علب مكياجيك التي طالما أخرجت منها أطيب و اروع لوحات الفن التشكيلي و التكعيبي و التجريدي معا .. لحظة يصحو فيها النائمين بكل ثقلهم و سماجتهم ليهدموا المعبد الذي صلينا فيه و أقمنا فيه شعائر المحبة طوال الليل على رؤوسنا .. لحظة تسرع فيها أنفاسك و تستعجلين فيها التفاتك يمينا و يسارا خوفا من الراقدين بالقرب .. لحظة تفتشين فيها عن الأسلوب الانسب و الأرق و الاجمل ما بين بساتين اللغة لكي تذبحيني بأيسرها و تقولي أنك سترحلين في ظرف دقيقة من الوقت .. ما كنت أعرف أن الوقت كالسيف مثلما أوقن و أدرك تماما هذه الحقيقة الان .. ترحل ببرائتها و بحسنها و بشقاوة الأنثى المتفجرة بداخلها و تتركني لمصير أسود لا أعرف كيف سأتعامل معه حتى الليلة المقبلة!

في اخر الليل أبقى وحدي أفكر .. الى متى يبقى الحب مثل "البيت الوقف" و الى متى تبقى محبتنا سرا من أسرار الكون؟ .. الى متى سأبقى وحيدا هكذا أولد مع بداية الليل و تشيع في أواخره جنازة يومية لي و لقلبي و لما تيسر من أجزاء جسدي المضطرب؟ .. الى متى سأقبل بدور البطل الاوحد ليلا و الكومبارس في باقي أوقات اليوم الطويل .. بل الى متى سيبقى حبنا أسيرا للليل و الظلام؟ .. و هل سيأتي اليوم الذي أرى فيه أشعة النهار الذهبية على جبينك الأبيض؟ أم أني سأبقى حتى اخر العمر رجلا أختارت له الأقدار و الظروف السعادة و ممارسة العشق بعد غروب الشمس!


الصديق الرائع والمبدع بلا حدود

محــمد صــلاح